المقتطف المصري ملتقى شباب المؤرخين العرب
الصديق العزيز نرجو منك الانضمام إلى أسرتنا، ننتظر تسجيلك
المقتطف المصري ملتقى شباب المؤرخين العرب
الصديق العزيز نرجو منك الانضمام إلى أسرتنا، ننتظر تسجيلك
المقتطف المصري ملتقى شباب المؤرخين العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المقتطف المصري ملتقى شباب المؤرخين العرب

نحترم كافة الآراء ولا نقيدها - المقتطف المصري - دعوة لاحترام الرأي الآخر
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
|||::--:Neutral|| ندعوكم مثقفي العرب ومؤرخي أمتنا إلى المساهمة في إثراء منتدى المقتطف المصري بمقالاتكم التاريخية التي بالتأكيد ستزيد من قيمة المنتدى
|||::--:Neutral|| كما ندعوكم للكتابة في مجلة المقتطف المصري الإليكترونية ملتقى شباب المؤرخين العرب
|||::--:Neutral|| تحيات إدارة المقتطف المصري بقضاء وقت ممتع على صفحات منتدانا ويسعدنا استقبال مقترحاتك

 

 بحث بداية علم التاريخ الإسلامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو بدر





بحث بداية علم التاريخ الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: بحث بداية علم التاريخ الإسلامي   بحث بداية علم التاريخ الإسلامي I_icon_minitimeالأربعاء 04 أبريل 2012, 7:06 am



المقدمة
كان لظهور الإسلام أثر كبير على نشأة علم التاريخ عند العرب، بل إن التاريخ العربي الإسلامي ولد ونشأ وترعرع في كنف الإسلام وحضانته، الأمر الذي يعطي هذا العلم أصالته العربية الإسلامية بين العلوم الأخرى.
ومن المناسب أن نشير هنا إلى أثر الإسلام بمجمله: القرآن، الحديث، السنة، ومن ثم فعاليات الدولة السياسية والعسكرية والاقتصادية، سواء في العهد النبوي أو الراشدي أو الأموي، باعتبارها مظهرا لفاعلية نظام الإسلام ودعوته، على حركة التدوين التاريخي.
فالقرآن الكريم، باعتباره كتاب الله المنزل على نبيه محمدr عد رسالة الرسولr امتدادا لرسالات الأنبياء السابقين، نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، وبذلك جاء القرآن بنظرة عالمية للتاريخ، تمثلت في توالي النبوات، مما كان له أثره في العناية والالتفات إلى تواريخ أولئك المرسلين، كما كانت الحاجة إلى تفسير القرآن ومعرفة مناسبات نزول آياته، وأخذ العبر من مصير الأمم السابقة، دافعاً آخر من دوافع الاهتمام بالتاريخ واستنطاق الماضي البشري المليء بأحداثه والزاخر بمعطياته، يكمـل الصورة التي يرسمها القرآن بأسلوبه المقتضب عن تلك الأمم.
وانطلقت الحاجة إلى التاريخ من طبيعة نزوله، فالقرآن الكريم لم ينزل مرة واحدة كاملا، بل نزل تباعا( منجما ) وبالتدرج، وهذا جعل بعض أحكامه متدرجة ومتسمة، إما بالتعميم وإما بالتخصيص، بعضها نُسخ وبعضها استقر، الأمر الذي تطلَّب معرفة دقيقة بناسخه ومنسوخه، وسابقه ولاحقه، لما يترتب على ذلك من التزامات عبادية أو تشريعية أخرى.
أما الحديث، فهو يشمل أقوال وأفعال الرسولr، فقد كان دافعاً آخر لعناية المسلمين بالتاريخ، إذ أخذ المسلمون بجمعه وترتيبه للاستعانة به على تفسير القرآن الكريم، لأنه يعد الركيزة الثانية بعد القرآن الكريم للتشريع الإسلامي، الأمر الذي يعطي السنة هذه الأهمية التي بلغتها عند المسلمين، فكانت العناية بها الأساس الذي قامت عليه فيما بعد كتب السيرة والمغازي.
فضلاً عن ذلك، هناك عوامل أخرى ساعدت على اهتمام المسلمين بالتاريخ، منها حركة الفتوح، وتأسيس عمر رضي الله عنه للديوان، وتسجيل الناس فيه حسب أسبقيتهم في الإسلام.
ولا يفوتنا أن نذكر اهتمام الخلفاء بأخبار الماضين، للإطلاع على طرقهم ووسائلهم في إدارة بلدانهم، سواء أكان ذلك بالنسبة للفرس أم الروم، فاستقدموا الإخباريين إلى قصورهم وقربوهم، إضافة إلى أن بعض الذين دخلوا في الإسلام أرادوا نشر وإحياء تراثهم السابق، لأسباب تتصل بالعصبية لأقوامهم، أو لمجرد الرغبة العلمية، مما أضاف للتاريخ العربي الإسلامي مادة قيمة عن الأمم السابقة كالفرس والروم أو الهنود، فأكسبه بذلك نظرة عالمية.
ولا يخفى أن السرعة التي تحققت بها الفتوحات الإسلامية، وامتداد الدولة الإسلامية من جبال البرانس( الحدود الفرنسية الإسبانية ) إلى حدود الصين، حاملة راية الإسلام، أشعر العرب المسلمين بالانبهار والافتخار بسلامة نهجهم، كما أشعرهم بأن لهم دوراً ريادياً في التاريخ العالمي، فأخذوا بجمع وتحقيق عناصر هذه التجربة الكبرى، التي كان لهم شرف حملها وتبليغها للعالمين، فكان ذلك مدعاة لعنايتهم بالتاريخ.

أولاً: الرواية الشفهية

الشائع عند الكثير من المؤرخين المحدثين، أن علم التاريخ عند العرب المسلمين قام على أسس من الرواية الشفهية، لعدم شيوع الكتابة في المجتمع العربي قبيل الإسلام وفي بداية العصر الإسلامي.
لم يكن ظهور الرواية الشفهية مرتبطاً بالإسلام، بل كان أقدم عهداً منه، غير أن الرواية قبل الإسلام مرت بتطورات، أملتها طبيعة العصر وحاجات المجتمع، فقد نشأت أول أمرها بسيطة، وبدأت الرواية تقترب من الصفة العلمية قبيل الإسلام، غير أنها لم تكتسب صفة العلم المبنيِّ على قواعد وأصول خاصة بها، فهذه الصفة اكتسبتها بعد الإسلام.
ولقد كان لقاعدة "الجرح والتعديل" والتي وضعها المحدثون أهمية كبيرة على الدراسات التاريخية في صدر الإسلام، إذ أرست دعائم نظرة نقاده إلى الرواة، باعتبارهم مصادر للمعلومات، كما أنها أدخلت عنصر البحث والتحري عن صحة الخبر، سواء بالنسبة للإسناد أو بالنسبة للمتن، فتشكلت عنها أسس متينة للدراسات التاريخية.










ثانياً: التدوين

أ. بداية التدوين
لم يقتصر التدوين على الحديث، سواء في عصر الرسالة أم في العصر الراشدي، رغم ما يكتنف أخباره من غموض وشكوك وتأويلات، غير أن الذي لا مراء فيه هو أن أنساب العرب قد سجلت في العصر الراشدي.
لقد فرضت حاجات الأمة المستجدة على عمر رضي الله عنه، تدوين الديوان، ومن ثم سجلت أسماء العرب فيه حسب أسبقيتهم في الإسلام، وحسب قبائلهم وبعد وصول أخماس غنائم الفتوحات إلى المدينة، شكل عمر رضي الله عنه لجنة ثلاثية ضمت مخرمة بن نوفل، وعقيل بن أبي طالب، وجبير بن مطعم، وهم أشهر من له علم بأنساب العرب في المدينة يومئذ، فلما أنهَتْ مهمتَها، اعتبر عملُها هذا أول تدوين تاريخي للأنساب في الإسلام، وهكذا فعل عمر رضي الله عنه، "دوَّن للناس في الإسلام الدواوين وكتب الناس على قبائلهم".
ويبدو من خلال هذا العرض أن بدايات التدوين، لم تكن قائمة على أسس علمية منهجية في الترتيب والتبويب، وعنونة المدونات، بل كانت عبارة عن تدوين كل ما يقع على سمع المدون أو الكاتب المعني بالتدوين من أحاديث الرسولr.
ب. تدوين السيرة والمغازي
إن بداية التدوين التاريخي عند العرب المسلمين يمكن تَلمُّسُها في سيرة الرسولr، فعلم التاريخ مَدين بظهوره وروايته وتدوينه لتلك السيرة العطرة.
وكانت العناية بالسيرة أو بالمغازي، تأتي ضمن عناية المحدثين بالحديث وجمعه، فقد كان المحدث يجمع الأحاديث المتفرقة دون تبويب أو ترتيب، إلا أن التطور والحاجة قادا إلى ترتيب الأحاديث في أبواب خاصة، مثل: باب الجهاد، باب الصلاة، فتأثرت السيرة والمغازي بهذا التطور الجديد، حيث جمعت في أبواب مستقلة كان من أشهرها بابٌ يُسمى "المغازي والسير".
غير أن المغازي والسير لم تلبث أن انفصلت دراساتها وأبوابها عن الحديث، حيث ألّفتْ الكتب الخاصة بها، ومع ذلك ظل المحدثون يحتفظون بباب "المغازي" والسير في كتب الصحاح الستة المشهورة، ففي البخاري( ت: 256 هـ ) مثلا كتاب المغازي، وعند مسلم( ت: 261 ) كتاب الجهاد والسير.
لقد فرضت سيرة الرسولr نفسها على عدد من المسلمين للعناية والاهتمام بها، عن طريق حفظهـا وروايتها، ومن ثم نشرها بين الناس وكان هذا الاهتمام يعود إلى أهمية حياة الرسولr وسيرتـه بالنسبة للمسلمين، فأقواله وأفعاله المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، بعد القرآن، كما أن المسلمين بحاجة ماسة لها في التنظيمات الإدارية، بالبحث عن السيرة التي قام بها في هذا الخصوص، إضافة إلى أن أحاديث الرسولr تفسر الكثير من آيات القرآن الكريم، كما أن جهاده وغزواته كانت مثار إعجاب المسلمين وانبهارهم فصبره وجَلَده في مقاومة الوثنية، وبثّ دعوته، وتركيز دعائمها، أصبحت مثلاً يحتذى، وانتصاراته التي تختلط فيها المعجزة الإلهية بالعبقرية البشرية لقيادته، صارت من أحب المواضيع التي كانت تطرح في مجالس المسلمين.
إن الانقلاب العظيم والشامل في حياة العرب الذي أحدثه الإسلام، جعل المسلمين أكثر حرصا ولهفة على تجميع كل ما يتعلق بحياة مبلغ هذه الرسالة العظيمة، و لذلك أصبحت سيرتهr أول ما جمع ودوِّن في الإسلام.
بدأ الاهتمام بدراسة مغازي الرسولr في المدينة، ضمن دراسة المحدثين للحديث وجمعه وتبويبه، ولا غرو أن تكون المدينة مدرسة الحديث والتفسير، فهي دار هجرته عليه الصلاة والسلام، ومركز أول حكومة إسلامية شيَّدها الرسولr، ومنها انطلقت كتائب بدر وأحد ومؤتة وخيبر، وفُتحت مكة، ومنها انطلقت جحافله إلى ربوع الجزيرة العربية تحطُّم الأصنام والأوثان، وتعلي كلمة الإسلام، وإليها قدمت وفود العرب من كافة أنحاء الجزيرة تعلن إسلامها، ومنها انطلق رسله إلى حكام الأقطار المجاورة تعرض عليهم دعوة الإسلام، وهي دار صحابته الذين سمعوا منه، وشاهدوا أفعاله وأعماله وسألوه عن كل ما غم عليهم في دينهم ودنياهم، ثم أخذوا يروون عنه حديثه، فصار منهم المحدثون الذين بدؤوا بجمع حديثه، وحفظ مآثر سنته، لذلك أصبحت المدينة بحق مدرسة أهل الحديث.

جـ. مؤرخو السيرة والمغازي
إن استقراء حركة التأليف في السيرة والمغازي خلال القرن الأول والنصف الأول من القرن الثاني الهجري، تكشف عن وجود طبقتين من المؤلفين في هذا الحقل، كان لكل طبقة سماتها الخاصة، التي أملتها حركة التطور على كل طبقة.

الطبقة الأولى:
مثّل هذه الطبقة ثلاثة من أبناء الصحابة، عنوا عناية كبيرة بالحديث والمغازي، وكان جميعهم من المدينة، شكـلوا نواة لمدرسة المدينة التي عنيت بالحديث والمغازي، وهم:
1- أبان بن عثمان بن عفان: الذي روى عن أبيه عثمان، وزيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، رضي الله عنهم، وكان ثقة في الحديث.

2- عروة بن الزبير بن العوام( ت: 94 هـ ): وينتمي عروة إلى أسرة مرموقة في مكانتها في الإسلام، الأمر الذي أتاح لعروة الحصول على معلومات مهمة عن حياة الرسولr، مما جعل البلاط الأموي يوجه إليه بعض الأسئلة التي تتعلق بجوانب من حياة الرسولr، ويجد عنده الأجوبة المطلوبة.

3- شُرَحْبيل بن سعد( ت: 123 هـ ): كان معاصراً لعروة، روى الحديث عن زيد بن ثابت وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري، ويلاحظ على رواياته نزعتها الاجتماعية المبكرة، فقد اهتم بتقديم قوائم بأسماء الصحابة الذين شاركوا في معركة بدر وأحد، وأسماء الذين هاجروا إلى الحبشة، وأسماء الذين هاجروا إلى المدينة.

4- وهب بن مُنَبِّه( ت: 110 هـ ): وهو فارسي، ومقيم في اليمن، وكان فقيها من القرَّاء، عرف بإطلاعه على الكتب القديمة، ألف في ملوك اليمن القدماء، عني بأخبار أهل الكتاب، وألف في مغازي الرسولr، وألف كتاب "المبتدأ" الذي بدأ فيه بالتاريخ منذ الخليقة، ثم تدرج به إلى تاريخ العهد القديم ثم الجديد، ماراً بالأنباء كافة مما يعتبر أول محاولة لكتابة تاريخ الرسالات السماوية.


الطبقة الثانية:
ثم جاءت الطبقة الثانية التي اهتمت كسابقتها بالمغازي، وأشهر علمائها:

1- عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري( ت: 135 هـ ): ينتمي إلى أسرة عريقة في الإسلام، فجدُّه الأعلى عمرو بن حزم كان من كبار الصحابة، وهو موفد الرسولr إلى أهل اليمن.
عُنِي عبد الله بالحديث وسيرة الرسولr، فقد نقلت عنه روايات ذكرها ابن إسحاق والواقدي وابن سعد والطبري، روى أخبارا تتعلق بالرِّدة، وأخرى تتعلق بالفتنة، مما يظهر اهتمامه المبكر بالأحداث التي مرت بها الأمة استخدم الإسناد في رواياته، وجمع قائمة بغزوات الرسولr مرتبة على السنين.

2- عاصم بن عمر بن قتادة( ت: 120 هـ ): مدني من الأنصار، كان جده قتادة صحابياً جليلا يعد عاصم من الرواد الذين نالوا ثقة المؤلفين في التاريخ العربي الإسلامي، يقول: عنه ابن حجر" كان راوية للعلم، وله علم بالمغازي"، لم يؤلف عاصم في المغازي، ولكنه ترك روايات تناقلها عنه الرواة، حتى حفظت في كتب الواقدي وابن سعد وابن إسحاق والطبري.

3- محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري( ت: 124 هـ ): قرشي من بني زهرة، نال شهرة كبيرة في حياته حتى عرف بعالم الحجاز والشام للزهري تأثير ثنائي في الثقافة الإسلامية؛ أولهما تدوين السنة بتكليف من الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه( 99 - 101هـ )، وثانيهما؛ أثره في المغازي، إذ يعد الزهري أشهر مؤرخي هذه الطبقة.
أرّخ الزهري لفترتين من حياة الرسولr، فترة ما قبل البعثة النبوية، وفترة ما بعدها وقد صارت مروياته في الحديث أساساً لكتب صُنّفَت في المغازي من قِبَلِ ثلاثة من تلاميذه هم: موسى بن عقبة، ومُعَمَّر بن راشد، ومحمد بن إسحاق.
هؤلاء هم أشهر مؤرخي السيرة والمغازي، الذين حفظوا بمروياتهم ومدوناتهم سيرة الرسول ومغازيهr حتى منتصف القرن الثاني الهجري( زعرور وأحمد، 1996: 144 – 147 ).


ثالثاً: عروة بن الزبير

أ. ميلاده ونشأته:
ولد عروة بن الزبير على أرجح الأقوال سنة( 23هـ )، ونشأ وتربى في المدينة كما ربي سائر أترابه من أبناء الصحابة، ولا يعلم شيء عن الفترة المبكرة من حياته سوى إشارات عابرة أتت في ثنايا مروياته، لكن يبدو أن نسبه من جانب، وحبه للعلم منذ صغره من جانب آخر قد ميزاه على غيره من أقرانه، فكان دائماً يتمنى أن يؤخذ عنه العلم( ابن الجوزي، 1985: 82 ) فبذل لذلك جهده ووقته حتى قال: "لقد كان يبلغني الحديث عن الصحابي فآتيه فأجده قد قال من القيلولة فأجلس على بابه أسأله عنه" ( الذهبي، 1982: 424 ).
ب. سعة معارفه:
وقد تعددت معارف عروة وكثرت حتى قال عنه الزهري: "كان بحراً لا ينزف، ولا تكدره الدلاء" ( ابن كثير، 1988: 137 ) وشملت هذه المعارف الحديث والتفسير والشعر والفقه، إضافة إلى السيرة والمغازي التي لا ينازعه فيها منازع من شيوخ عصره.
جـ. مكانته التاريخية:
يعد عروة بن الزبير بحق أول من صنف في المغازي كما ذكر الواقدي( ابن كثير، 1988: 136 )، ولكن مصنفاته لم تكن كتباً بالمفهوم المتعارف عليه الآن بين الدارسين، وإنما كانت عبارة عن رسائل تجمع كل رسالة الروايات التي تتناول موضوعاً أو حديثاً معيناً يشبه ما يسمى الآن الفصل من الكتاب يصوغه بأسلوبه الخاص.
د. رواياته التاريخية:
وصل إلينا كثير من مرويات عروة التاريخية متناثرة عند ابن هشام في "السيرة"، والواقدي في "المغازي"، وابن سعد في "الطبقات"، وابن شبة النميري في "تاريخ المدينة"، والطبري في "تاريخ الرسل والملوك"، وفي بعض المصادر المتأخرة مثل: ابن عبد البر في "الاستيعاب"؛ وابن الأثير في "أسد الغابة"؛ والذهبي في كتابيه "السيرة" و"المغازي"؛ وابن كثير في "البداية والنهاية"؛ والسيوطي في "الخصائص".


ه. طرق التدوين عند عروة
الفترة المكية: من حياة الرسولr، وذكر فيها الإرهاصات التي سبقت نزول الوحي مثل حادث شق صدر النبيr، وتعبده في غار حراء، ونزول الوحي عليه في سن الأربعين، وأول ما نزل من القرآن، وإسلام خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وتعليم جبريل رسول اللهr الوضوء والصلاة، وإعلان الدعوة وموقف المشركين منها، وفتنة المسلمين.
وهجرة المسلمين إلى الحبشة، وسبب اختيارها للهجرة، حيث ذكر أنها كانت متجراً لقريش، أي مألوفة لأهل مكة، وكان بها ملك عادل لا يظلم عنده أحد، وبعض أسماء من هاجر إليها، ومحاولة قريش إرجاع المسلمين المهاجرين إلى الحبشة.
وتحدث عن بعض مظاهر إيذاء المشركين لرسول اللهr، وخروج أبي بكر الصديق مهاجراً، ثم عودته إلى مكة بعد أن أدخله ابن الدغنة في جواره، ومقابلة الرسولr لوفد يثرب إلى مكة وعرضه الإسلام عليهم، وبيعة العقبة الأولى، وبيعة العقبة الثانية، وفي كل ذلك يذكر الآيات القرآنية المرتبطة بكل حادث إن وجدت ويفسرها عند الحاجة.
ثم تكلم عن هجرة المسلمين إلى المدينة، وهجرة الرسولr بعد ذلك مع تفاصيل قليلة عن أحداثها، وكيف تمت، مثل: خبر اختفاء الرسولr في غار ثور، واستئجاره رجلاً من بني الديل؛ ليدله وأبا بكر على الطريق إلى المدينة، ونزوله قباء، وانتظار المسلمين وتشوقهم إلى رسول اللهr في المدينة وكيفية استقباله.
الفترة المدنية: وتحدث فيها عن إصابة بعض المسلمين بالحمى بعد وصولهم إلى المدينة، ودعاء الرسولr أن يحببها إليهم، وزواج رسول اللهr من عائشة رضي الله عنها، وسرية عبد الله بن جحش رضي الله عنه، ومسألة القتال في الأشهر الحرم، وما نزل في ذلك من القرآن، وغزوة بدر، وقد تحدث فيها عن دعاء الرسول على المشركين، واختلاف كلمة المشركين، ورغبة بعضهم في العودة، وترك القتال، وبعض أسماء من قتل من المشركين واستشهد من المسلمين فيها، وقصة إسلام عمير بن وهب رضي الله عنه.
وغزوة بني قينقاع وما نزل فيها من القرآن، وغزوة أحد وتحدث فيها عن رؤيا رسول اللهr قبل الغزوة، وإعطاء رسول اللهr سيفه لأبي دجانة رضي الله عنه يوم أحد، وقصة قتل رسول اللهr لأبي بن خلف، وغزوة حمراء الأسد، وغزوة بئر معونة، وغزوة الرجيع، وغزوة بني النضير، وكيفية تقسيم رسول اللهr ما أفاء الله عليه في هذه الغزوة وما نزل في ذلك من القرآن.
وغزوة الخندق، وغزوة بني قريظة، وحكم سعد بن معاذ رضي الله عنه فيهم، وغزوة بني المصطلق، وحادثة الإفك، وزواج رسول اللهr بجويرية بنت الحارث رضي الله عنها، وسرية زيد رضي الله عنه إلى أم قرفة وصلح الحديبية وشروطه، وقصة فرار أبي بصير رضي الله عنه وأتباعه إلى ساحل البحر الأحمر وتعرضه لتجارة قريش، وغزوة خيبر، وغزوة مؤتة.
وفتح مكة، وغزوة حنين، وحصار الطائف، وإعطاء الرسولr للمؤلفة قلوبهم، وإرسال عروة بن مسعود رضي الله عنه بعد إسلامه إلى ثقيف، وقصة مقتله على أيديهم، وغزوة تبوك ودور المنافقين فيها، وكتب الرسولr إلى الملوك والأمراء، وحجة الوداع، وتجهيز رسول اللهr بعث أسامة رضي الله عنه، ومرض رسول اللهr ووفاته في بيت عائشة رضي الله عنها، وعمره حين توفى، وإشارته إلى فضل أبي بكر رضي الله عنه ووصيته بالأنصار قبل موته، وهذه الروايات إذا نظرنا إليها مجموعة وجدناها تكون شكلاً أو هيكلاً عاماً لسيرة النبيr.
عصر الخلفاء الراشدين: وبدأه بالحديث عن فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذكر الأحاديث التي تؤيد ذلك، واجتماع الأنصار في سقيفة بني ساعدة للتشاور في أمر الخلافة.
وحروب الردة، وموقعة أجنادين، وتفرغ أبي بكر رضي الله عنه لإدارة شؤون المسلمين، وتركه التجارة، ومرض أبي بكر الصديق، ومكان وتاريخ وفاته، ومن خلال مروياته المتفرقة عن أبي بكر رضي الله عنه نستطيع أن نقول أنه قدم صورة عن أهم الأحداث في عصره.
ثم تحدث عن موقعة اليرموك، والقادسية، وعن ذهاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى فلسطين، وعن قصة إصابة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في طاعون عمواس، واشتداد عمر رضي الله عنه في محاسبة أهله، وبعض الأخبار المتناثرة عن الحياة الاجتماعية في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وتكلم في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه عن مدى الغنى الذي وصل إليه الناس في عصره، وعن مجيء الثوار إلى المدينة وحصارهم له، وعن مجادلة أهل مصر له، ثم تحدث عن موقعة الجمل، وعن النزاع الذي وقع بين أهل بيته وبين بني أمية، وقد حكى قصته بنزاهة تامة دون تحيز لأهل بيته.
و. منهج عروة التاريخي
ورغم كثرة المرويات التاريخية عن عروة إلا أننا لا نستطيع أن نعرف أو نحدد بإيضاح المنهج الذي سلكه في كتابة مروياته أو جمعها، لأن هذه المرويات وردت متناثرة في ثنايا الكتب، إضافة إلى أن المؤرخين الذين حفظوها لنا كانوا في بعض الأحيان لا ينقلون الرواية كاملة، وإنما يأخذون منها ما يحتاجون لدمجه في مرويات أخرى، ليكونوا الفكرة التي يريدون عرضها أو تقديمها وهذه بعض الصور لمنهج عروة في الرواية:
1- أنه كان يجمع الروايات التي ترتبط بالحادثة الواحدة ثم يصوغها بأسلوبه الخاص في دقة وتسلسل، وهذا ما سمي فيما بعد بالإسناد الجمعي، فكان عروة أول من اتبعه، وليس الزهري كما ظن بعض الباحثين المعاصرين.
2- أنه كان يمهد للحادثة التي يتكلم عنها في مقدمة توضح سببها قبل ذكر تفاصيلها( ابن كثير، 2000: 76 )، ومثال ذلك: تمهيده لهجرة المسلمين إلى الحبشة، بقوله: "لما دعا رسول اللهr قومه لما بعثه الله من الهدى والنور الذي أنزل عليه، ولم يبعدوا منه أول ما دعاهم، وكادوا يسمعون له، حتى ذكر طواغيتهم، وقدم أناس من الطائف من قريش لهم أموال، أنكروا ذلك عليه واشتدوا عليه، ثم ائتمرت رؤوسهم بأن يفتنوا من تبعه عن دين الله من أبنائهم وإخوانهم وقبائلهم، فكانت فتنة شديدة الزلزال على من اتبع رسول اللهr فافتتن من افتتن، وعصم الله منهم من شاء، فلما فعل ذلك بالمسلمين أمرهم رسول اللهr أن يخرجوا إلى أرض الحبشة"( الطبري، 1407: 328 ).
3- أنه كان يوضح أحياناً العلاقة بين الأحداث ويربط بعضها ببعض، فعند حديثه عن غزوة بدر ـ مثلاً ـ ربط بينها وبين بعض المناوشات التي سبقتها، مثل: مقتل ابن الحضرمي، وإيقاع عبد الله بن جحش رضي الله عنه ببعض قريش وأسر فريق منهم، إذ يقول: "وكان الذي أهاج وقعة بدر وسائر الحروب التي كانت بين رسول اللهr وبين مشركي قريش ما كان من قتل واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي"( الطبري، 1407: 420 ).
4- أنه كان يجمع الآيات القرآنية التي نزلت في الحادثة التي يتكلم عنها أو التي لها صلة بها، ويقوم بتفسيرها.
5- أنه كان يحاول رد ما يوجه إلى بعض الصحابة من اتهام بأمور لا تليق بمنزلتهم على ألسنة ذوي الأهواء، مستنداً إلى المكانة الدينية لهؤلاء الصحابة، فرد اتهام علي بالمساعدة على قتل عثمان رضي الله عنه بقوله: "كان علي أتقى لله من أن يعين على قتل عثمان، وكان عثمان أتقى لله من أن يقتله علي".
6- أنه لم يكن يكتفي بما يرويه عن غيره، وإنما سجل الحوادث التي شاهدها بنفسه، مثل: حديثه عن حصار عثمان بن عفان رضي الله عنه إذ يقول: "وقفت وأنا غلام أنظر إلى الذين حاصروا عثمان رضي الله عنه وقد مشى أحدهم إلى الخشبة، ليدخل إلى عثمان فلقيه عليها أخي عبد الله فضربه"( ابن عساكر، 1911: 328 )، ويقول أيضاً مصوراً حال الناس زمن عثمان رضي الله عنه: "أدركت زمن عثمان وما من نفس مؤمنة إلا ولها في بيت مال الله حق"( النميري، 1996: 1023 ).
7- أنه عند حديثه عن غزوات الرسولr أو المعارك الإسلامية كان يقدم مع أحداث الغزوة قائمة بأسماء من شهدها ومن استشهد فيها( ابن حجر، 1415: 34 ).
8- كما أنه قدم تراجم لكثير من الصحابة، وهذه الترجمة قد تكون وافية أحياناً، وأحياناً موجزة لا تتعدى سطراً واحداً، مثل قوله: "كان صهيب من المستضعفين من المؤمنين الذين كانوا يعذبون في الله"( البلاذري، 1408: 181 ).
10- أنه حرص على إيراد التواريخ وبدقة تامة، فيقول عن نزول الوحي: "عرض له جبريل ليلة السبت وليلة الأحد، ثم أتاه بالرسالة يوم الاثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ورسول اللهr ابن أربعين"( البلاذري، 1408: 116 )، وانظر إلى وصفه لمرض ووفاة أبي بكر الصديق: "كان أول ما بدأ مرض أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة، وكان يوماً بارداً، فحُمَّ خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الصلاة، وتوفى ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جُمادى سنة( 13هـ )، وكانت خلافته سنتين وأربعة أشهر إلا أربع ليال، فتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة"( الطبري، 1407: 419 ).
ز. تقييم رواياته
ورغم ما اشتهر به عروة من فضل، وقبول بين المحدثين إلا أنه لا يمكن التسليم بكل المرويات المنسوبة إليه، لأنه بمنزلته العلمية ومكانته من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لم يكن بمنأى عن الوضَّاعين أن يستغلوا ذلك ليمرروا عن طريقه بعض أكاذيبهم، ومن هذه الروايات: ما نسبهُ إليه أبو نعيم في حلية الأولياء عن عائشة رضي الله عنها "النظر إلى علىَّ عبادة"( الأصفهاني، 1405: 183 )، فقد أشار إلى وضع هذا الخبر صاحب تذكرة الموضوعات، وقال: "إن بعض علماء الحديث أشاروا إلى أنه موضوع ومتنه ينبئ بذلك".











المصادر والمراجع

- ابن الجوزي، جمال الدين( 1985م )، "صفوة الصفوة"، ط3، دار المعرفة، بيروت.
- ابن عساكر( 1911م )، "تهذيب تاريخ ابن عساكر"، المكتبة العربية، دمشق.
- ابن كثير( 1988م )، "البداية والنهاية"، دار احياء التراث العربي، بيروت.
- الأصفهاني، ابو نعيم( 1405هـ )، "حلية الأولياء"، دار الكتاب العربي، بيروت.
- البلاذري، أحمد بن يحيى( 1408 )، "أنساب الأشراف"، دار الجنان، بيروت.
- الدوري، عبدالعزيز( 2000م )، "نشأة علم التاريخ عند العرب"، مركز زايد للتراث والتاريخ، العين.
- الذهبي، محمد بن أحمد( 1982م )، "سير أعلام النبلاء"، مؤسسة الرسالة، دمشق.
- زعرور، ابراهيم، علي أحمد( 1996 )، "تاريخ العصر الأموي السياسي والحضاري"، جامعة دمشق، سوريا.
- الطبري( 1407هـ )، "تاريخ الأمم والملوك"، دار الكتب العلمية، بيروت.
- العسقلاني، ابن حجر( 1415هـ )، "الإصابة في تمييز الصحابة"، دار الكتب العلمية، بيروت.
- النميري، عمر بن شبة( 1996م )، "تاريخ المدينة المنورة"، دار الكتب العلمية، بيروت.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
بحث بداية علم التاريخ الإسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أثر الحروب الصليبية على الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المقتطف المصري ملتقى شباب المؤرخين العرب :: منتديات التاريخ الإسلامي والوسيط :: منتدى تاريخ الدولة العربية الإسلامية-
انتقل الى: