مملكة الفرنجة

المقدمة
التطور الزمني لتاريخ الإفرنج في بلاد الغال، يبدأ من( 476– 987م )، وغالب المصادر تتناول الإشارة إلى تكوين مملكتين للإفرنج خلال هذه الحقبة التاريخية، هما مملكتي( الميروفنجية، والكارولنجية )، والمملكة الميروفنجية( 476، 751م )، مرت بدورين الأول عهد القوة بقيادة ميروفتش، واستمر الحكم في أحفاده مدة 163سنة، وحتى وفاة داجوبرت( 639م )، والدور الثاني عهد الضعف والتفكك، بدأ منذ وفاة داجوبرت واستمر 112سنة، إلى أن عُزل شيلديريك( 751م )، وتولى رئيس البلدية "بيبين الثالث القصير" الحكم( 751م )، وتوّج نفسه ملكا على فرنسا ليعلن بذلك بداية الطور الثاني للإفرنج، وقيام المملكة الكارولنجية( 751- 987م )، وأشهر ملوكها شارلمان وحكم لـ 45 سنة، وتوافق حكمه زمن خلافة هارون الرشيد.
أولاً: الامبروطورية الميروفنجية
المملكة الميروفنجية( 476 – 741م )
الفرنجة قبل كلوفيس
الفرنجة من القبائل الجرمانية سمح لهم الإمبراطور "جوليان" بعبور نهر الراين والاستقرار على حدود الإمبراطورية الرومانية، وعندما بدأ الانحلال والتدهور في القسم الغربي من الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي بدء الفرنجة تحركهم وتوغلوا في أراضي الإمبراطورية، واستعمروا الأجزاء الشمالية من "غاليا" ووصلوا إلى شمال مدينة "باريس" الرومانية، وكان من ملوكهم "كلوديون" الذي انتصر على الجيوش الرومانية بقيادة "أئسيوس" ثم حكم بعده "ميروفتش" الذي نسبت إليه الأسرة( السلالة الميروفنجية )، ثم حكم من بعده ابنه "شيلديريك" ثم جاء ابنه "كلوفيس"( 481-511 م ).
أوضاع "غاليا" عند تولي "كلوفيس" الحكم
عندما تولى "كلوفيس" السلطة كانت "غاليا" موزعة بين عدة قوى وهي على النحو التالي:
1. بقايا الإدارة الرومانية ويمثلها "سياجريوس" حاكماً رومانياً على "غاليا".
2. القوط الغربيون( اقطانيا – بروفانس- إسبانيا ).
3. البرجنديون وهم من القبائل الجرمانية اعتنقوا المسيحية على المذهب الكاثوليكي.
4. الألمان في "الألزاس".
5. الفرنجة البريون وهم فرع من الفرنجة.
6. الثيورنجيون وهم من الفرنجة أقاموا دولة صغيرة على الضفة اليسرى لنهر الراين.
7. وإن النزاع بين الرومان الغاليين و بين الجرمان سببه أن الرومان اعتنقوا المسيحية على المذهب الكاثوليكي، بينما الجرمان اعتنقوا المسيحية على المذهب الآريوسي.
شخصية كلوفيس
ولد "كلوفيس" في( 466 م ) ويعتبر المؤسس الحقيقي للمملكة الميروفنجية، حكم من( 481 – 511 م ) وعندما استلم السلطة كان في الخامسة عشر من عمره، وكان على الوثنية ثم اعتنق المسيحية
على المذهب الكاثوليكي، حارب "الألمان" و"البريون" و"سياجريوس" و"الثيورنجيين" و"القوط الغربيون" و"البرجنديون" و توفي( 511 م ).


فتوحات " كلوفيس "
- وضع نهاية للحكم الروماني في "غاليا" الشمالية وهاجم "سياجريوس" وانتصر عليه( 486 م ) وأخذت المدن تسقط بيده الواحدة بعد الأخرى مثل "باريس" و"فردان" و"رمس" حتى أكمل فتح كل الأقاليم التي تخضع للحكم الروماني.
- وفي( 486 م ) هاجم "كلوفيس" الثيورنجيين الذين كانوا يعيشون على الضفة اليسرى للراين و أخضعهم لسلطته.
- وفي( 496 م ) انتصر "كلوفيس" على الألمان في معركة دموية قرب "ستراسبورغ" إلا أنه لم يستطع إخضاعهم لسلطته، وبين( 505 – 507 م ) شن حرب إبادة أخرى ضدهم، حيث استولى على "الألزاس" وأجبرهم على الاتجاه إلى وادي الراين الأعلى.
- احتل إقليم الفرنجة البريون و أجبرهم على الاعتراف به ملكاً عليهم.
- وفي( 507 م ) زحف نحو "القوط الغربيين" و انتصر عليهم في معركة "فوجليه" وقتل "ألارك" في المعركة وأحرق مدينة "تولوز" عاصمة "القوطة" واستولى على "سبيتمانيا" ومعظم إقليم "بروفانس" ثم قام "ثيودوريك" ملك "القوط الشرقيين "باسترجاع "سبيتمانيا" وأعطاها إلى "ألارك الثاني" ملك "القوط الغربيين".
- وفي( 500 م ) استطاع "كلوفيس" على إجبار البرجنديون على دفع الجزية رمزاً للتبعية له.
كلوفيس و بيزنطة
عندما كان في مدينة "تور" وصلته سفارة من "القسطنطينية" بمهمة من قبل الإمبراطور البيزنطي "انستاسيوس" وسلمت هذه السفارة "كلوفيس" خطاباً ودياً من الإمبراطور، وشارات القنصلية الرومانية وهي الرداء القنصلي والعباءة الأرجوانية، وبذلك اعترفت بيزنطة بسيادة "كلوفيس" على " غاليا"، كما أن إعطائه لقب "قنصل" يعني أنه ممثل بيزنطة في "غاليا".
المملكة الميروفنجية بعد كلوفيس
يمكن أن نقسم تاريخ المملكة الميروفنجية في ظل أبناء "كلوفيس" و أحفاده إلى دورين:
الدور الأول
وهو دور القوة ويمتد من تولي "كلوفيس"( 511 م ) حتى وفاة "داجوبرت"( 639 م )، وأهم مميزات هذا الدور ما يلي :
1- كثرة الاضطرابات والحروب الأهلية نتيجة سياسة التقسيم المستمر للمملكة بين الأبناء.
2- لعبت النساء دوراً كبيراً في إثارة الأحقاد والمنافسة بين الأبناء والأحفاد.
3- استكمل خلفاء "كلوفيس" فتوحاته وبخاصة "برجنديا"( 534 م ) وفتح إقليم "بروفانس"( 536 م ).
4- أهم ملوك هذا الدور هو "داجوبرت" الذي عمل على:
أ‌- جمع كل أجزاء المملكة تحت سيطرته.
ب‌- أوقف التدهور الذي بدأ يدب في البيت الميروفنجي.
ت‌- أظهر عطفاً كبيراً على الكنيسة و رجالها.
ث‌- أخذ كبار ملاك الأراضي يعملون من أجل رئاسة البلاط في المملكة .
ج‌- عمل على تقوية السلطة الملكية المركزية و أجرى بعض الإصلاحات الإدارية.
5- انقسمت المملكة في القرن السابع الميلادي إلى ثلاثة أقسام( القسم الشرقي "أوسترازيا" )، و( القسم الغربي "نيستريا" )، و( مقاطعة "برجنديا" ).
الدور الثاني
وهو دور الضعف و الانحلال يمتد من وفاة "داجوبرت"( 639 م )، وحتى حلول عام( 751.م ) والذي أعلن فيه رئيس البلاط( بيبين الثالث القصير ) عدم شرعية حكم شيلديريك الثالث لضعفه وعدم كفايته فخلعه بدعم من الباباوية في روما وتوّج نفسه ملكا على فرنسا ليكون أول الملوك الكارولنجيين.
ويتميز ملوك هذا الدور بما يلي
أ. لم يلعبوا أي دور في شؤون العالم المعاصر.
ب. لم يكن لهم أي نفوذ في مجرى الأحداث داخل المملكة الفرنجة ذاتها.
ج. معظم ملوك هذا الدور كانوا أطفالاً أو معتوهين و معظمهم ماتوا في العشرينات من أعمارهم.
د. لذلك دبت الفوضى و الانحلال في المملكة الميروفنجية.

وعلى الرغم من ذلك استمر الحكم الميروفنجي باقياً على العرش قرابة ثلاث قرون من( 481-751 م ).